
كتاب سلامة القرآن من التحريف وتنزيهه عن الباطل
تحميل كتاب سلامة القرآن من التحريف وتنزيهه عن الباطل pdf يطلق لفظ التحريف ويراد منه عدة معان على سبيل الاشتراك، فبعض منها واقع في القرآن باتفاق من المسلمين، وبعض منها لم يقع فيه باتفاق منهم أيضا، وبعض منها وقع الخلاف بينهم. واليك تفصيل ذلك: الأول: "نقل الشئ عن موضعه وتحويله إلى غيره" ومنه قوله تعالى: ﴿مِّنَ الَّذِينَ هَادُواْ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ﴾ 1. ولا خلاف بين المسلمين في وقوع مثل هذا التحريف في كتاب الله فإن كل من فسر القرآن بغير حقيقته، وحمله على غير معناه فقد حرفه. وترى كثيرا من أهل البدع، والمذاهب الفاسدة قد حرفوا القرآن بأويلهم آياته على آرائهم وأهوائهم. وقد ورد المنع عن التحريف بهذا المعنى، وذم فاعله في عدة من الروايات. منها: رواية الكافي بإسناده عن الباقر عليه السلام أنه كتب في رسالته إلى سعد الخير: "وكان من نبذهم الكتاب أن أقاموا حروفه وحرفوا حدوده، فهم يروونه ولا يرعونه، والجهال يعجبهم حفظهم للرواية، والعلماء يحزنهم تركهم للرعاية..."2. الثاني: "النقص أو الزيادة في الحروف أو في الحركات، مع حفظ القرآن وعدم ضياعه، وإن لم يكن متميزا في الخارج عن غيره". والتحريف بهذا المعنى واقع في القرآن قطعا، ومعنى هذا أن القرآن المنزل إنما هو مطابق لإحدى القراءات، وأما غيرها فهو إما زيادة في القرآن وإما نقيصة فيه. الثالث: "النقص أو الزيادة بكلمة أو كلمتين، مع التحفظ على نفس القرآن المنزل". والتحريف بهذا المعنى قد وقع في صدر الإسلام، وفي زمان الصحابة قطعا، ويدلنا على ذلك إجماع المسلمين على أن عثمان أحرق جملة من المصاحف وأمر ولاته بحرق كل مصحف غير ما جمعه، وهذا يدل على أن هذه المصاحف كانت مخالفة لما جمعه، وإلا لم يكن هناك سبب موجب لإحراقها، وقد ضبط جماعة من العلماء موارد الاختلاف بين المصاحف، منهم عبد الله ابن أبي دود السجستاني، وقد سمى كتابه هذا بكتاب المصاحف. وعلى ذلك فالتحريف واقع لا محالة إما من عثمان أو من كتاب تلك المصاحف، ولكنا سنبين بعد هذا إن شاء الله تعالى أن ما جمعه عثمان كان هو القرآن المعروف بين المسلمين، الذى تداولوه على النبي صلى الله عليه وآله وسلم يدا بيد. فالتحريك بالزيادة والنقيصة إنما وقع في تلك المصاحف التي انقطعت بعد عهد عثمان، وأما القرآن الموجود فليس فيه زيادة ولا نقيصة. وجملة القول: إن من يقول بعدم تواتر تلك المصاحف - كما هو الصحيح - فالتحريف بهذا المعنى وإن كان قد وقع عنده في الصدر الأول إلا أنه قد انقطع في زمان عثمان، وانحصر المصحف بما ثبت تواتره عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأما القائل بتواتر المصاحف بأجمعها، فلا بد له من الالتزام بوقوع التحريف بالمعنى المتنازع فيه في القرآن، وبضياع شيء منه. وقد مر عليك تصريح الطبري، وجماعة آخرين بإلغاء عثمان للحروف الستة التي نزلت بها القرآن، واقتصاره على حرف واحد3. الرابع: "التحريف بالزيادة والنقيصة في الآية والسورة مع التحفظ على القرآن المنزل، والتسالم على قراءة النبي صلى الله عليه وآله وسلم إياها". والتحريف بهذا المعنى أيضا واقع في القرآن قطعا. فالبسملة - مثلا – مما تسالم المسلمون على أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قرأها قبل كل سورة غير سورة التوبة وقد وقع الخلاف في كونها من القرآن بين علماء السنة، فاختار جمع منهم أنها ليست من القرآن، بل ذهبت المالكية إلى كراهة الإتيان بها قبل قراءة الفاتحة في الصلاة المفروضة، إلا إذا نوى به المصلي الخروج من الخلاف، وذهب جماعة أخرى إلى أن البسملة من القرآن. وأما الشيعة فهم متسالمون على جزئية البسملة من كل سورة غير سورة التوبة، واختار هذا القول جماعة من علماء السنة أيضاً - وستعرف تفصيل ذلك عند تفسيرنا سورة الفاتحة - وإذن فالقرآن المنزل من السماء قد وقع فيه التحريف يقيناً، بالزيادة أو بالنقيصة. الخامس: "التحريف بالزيادة بمعنى أن بعض المصحف الذي بأيدينا ليسمن الكلام المنزل". والتحريف بهذا المعنى باطل بإجماع المسلمين، بل هو مما علم بطلانه بالضرورة. السادس: "التحريف بالنقيصة، بمعنى أن المصحف الذي بأيدينا لا يشتمل على جميع القرآن الذي نزل من السماء، فقد ضاع بعضه على الناس". والتحريف بهذا المعنى هو الذي وقع فيه الخلاف فأثبته قوم ونفاه آخرون. رأي المسلمين في التحريف المعروف بين المسلمين عدم وقوع التحريف في القرآن، وأن الموجود بأيدينا هو جميع القرآن المنزل على النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم، وقد صرح بذكل كثير من الإعلام. منهم رئيس المحدثين الصدوق محمد بن بابويه، وقد عد القول بعدم التحريف من معتقدات الإمامية. ومنهم شيخ الطائفة أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي، وصرح بذلك في أول تفسيره "التبيان" ونقل القول بذلك أيضا عن شيخه علم الهدى السيد المرتضى، واستدلاله على ذلك بأتم دليل. ومنهم المفسر الشهير الطبرسي في مقدمة تفسيره "مجمع البيان"، ومنهم شيخ الفقهاء الشيخ جعفر في بحث القرآن من كتابه "كشف الغطاء"وادعى الإجماع على ذلك ومنهم العلامة الجليل الشهشهاني في بحث القرآن من كتابه "العروة الوثقى" ونسب القول بعدم التحريف إلى جمهور المجتهدين. ومنهم المحدث الشهير المولى محسن القاساني في كتابيه4. ومنهم بطل العلم المجاهد الشيخ محمد جواد البلاغي في مقدمة تفسيره "آلاء الرحمن". وهذا الكتاب الذي بين يدينا يناقش هذه النقطة المهمة، ويبين الشبهات ويرد عليها.. .
عرض المزيد